وقفت أمام صورتها أتأمل كل ما فاتني أن أراه، أكانت واسعة العينين، دقيقة الأنف، وردية الشفتين، حمراء الوجنتين، شعرها منسدل كالحرير كما تبدو في الصورة؟ لا أعرف لماذا شعرت أنني أمام فتاة مختلفة عن التي كنت أتحدث معها أحيانا، وأراقبها أحيانا أخرى، وأحلم بها بقية الأوقات، يقظة أو في المنام، ورغم هذا لا أكاد أميز صورتها، بل تكاد مخيلتي أن تكذب ما أراه بعيني، إلا أنها لا تعطيني صورة أخرى، فلم أختزن أية تفاصيل من ملامحها، حتى بدأت أتساءل: من كنت حتى لا أعرف من أحب إلى هذه الدرجة؟ حتى كلمة الحب قد لا تكون دقيقة لتعبر عما أشعر به، ولكن لا توجد كلمة أخرى تعبر عن مشاعري تجاهها، إنها المرأة الوحيدة التي لم أنظر إلى قوامها أو جمالها بل اخترقتني حتى سكنت كل ذرة من انفعالاتي بدون أي مجهود منها أو مني، بل هي كتطابق الأشياء الناقصة مع ما يكملها، هذه الطبيعة الأنثوية الجذابة، هذا الغموض الذي يشعل بقلبي نيران الشك والحيرة، ثم هذا الضعف المصحوب بإرادة حريرية تجتذبك إلى ما تصبو هي إليه، ثم طريقة كلامها التي لا أمل منها أبدا، حتى لدغتها في حرف السين تبدو في منتهى العذوبة، والذي يفوق كل هذا تبسمها عندما تراني، فرحتها بلقائي، البهجة التي تشع من عينيها إذا بادلتها النظر والابتسام مما أنساني أي شيء فيها غير الالتقاء الروحي الهادئ، بسكونه المريح ونشوته التي تسري في العروق فتبعث فيها الأمل من جديد.. هناك من يهتم بك، من يسرها أن تراك، لست وحدك في هذا العالم، حتى لو افترقت عنها بعد ذلك لكفاني ذلك الشعور الرائع الذي يغمرني بلا نهاية، أسترجعه متى أخذني اليأس وفقدت الإحساس بلذة الحياة، ولكن هذه الصورة التي أمامي لا تعنيني، ففتاتي أحفظ منها ما أريد تذكُّره، لعلّي سوف أردها لها أو أمحو منها كل شيء إلا ذكرياتي معها.
......falkon......